لا يعرف الكثيرون، أن مخترع تقنية الـ"واي فاي السريع" هو العالم المصري الدكتور حاتم زغلول، الذي وُلد ونشأ في محافظة الجيزة وتعلم في مدارس إمبابة والأورمان، وتخرج في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، قبل أن يهاجر إلى كندا عام 1983، وهناك حصل على الماجستير ثم الدكتوراه في الفيزياء الكهرومغناطيسية، وفي عام 1992 وبالاشتراك مع صديقه المصري أيضاً ميشيل فتوش قدما للبشرية واحداً من أعظم الاختراعات.
وكشف "زغلول"، في حوار لـ"بوابة أخبار اليوم"، عن أبرز المشكلات التي واجهته في سبيل تحقيق هذا الإنجاز العلمي، حيث قام بتعريف الفرق بين اختراع "الواي فاي" في شكله القديم الذي قدمته النمساوية الأمريكية هيدي لامار، والاختراع الشبيه الذي ابتكره مخترع أسترالي آخر، يُروّج له عالمياً باعتباره مبتكر "الواي فاي السريع" بالمخالفة للحقيقة.
وقال إنه، أنجز هذا الاختراع في مايو 1991 بالاشتراك مع صديقي ميشيل فتوش، وهو أيضاً مصري الجنسية وكان زميلي في الدراسة بمصر، وشكلنا فريقاً يضم 24 باحثاً يعملون على هذا المشروع تحت إشرافي، ثم سجلنا براءة الاختراع في 27 مارس 1992 في كندا تحت اسم "استخدام الموجات المتعامدة في إنشاء شبكات اتصالات شخصية"، يتضمن الواي فاي والاتصالات السريعة مثلما يحدث في تقنية 4G و5G، إلى جانب بوادر ما يُعرف بـ"إنترنت الأشياء". وفي عام 1993 أسست مع ميشيل شركة أطلقنا عليها اسم "واي لان" Wi-LAN
وأضاف: "في ذلك الوقت لاحظنا وجود مشكلتين تتعلقان بالموجات المتعامدة، لم يكن لها حل آنذاك، الأولى: حين يكون عندك اتصالات لاسلكية لابد أن يكون المرسل والمستقبل على موجة راديوية واحدة، والمشكلة الثانية كانت تتمثل في البطء، لذا ابتكرنا طريقة لتطابق الموجات من دون أن يستغرق ذلك وقتاً طويلاً. واعتمدنا في حل هذه المعضلة الثانية على توسيع مجال الميجاهيرتز وشرحنا كيفية حل المشكلتين في ضربة واحدة، بحيث تكون الموجة واسعة وفي الوقت نفسه نضبط تطابق الموجات، والمشكلتان كانتا أبرز مشكلتين تواجهان كل الاتصالات السريعة (4G، 5G)".
وكشف عن أهم ما كان يسعى إليه وزميله ميشيل أثناء العمل على هذا الاختراع، موضحا: "السرعة كانت أهم شيء، ولتدرك قيمة ما أنجزناه، عليك أن تنظر إلى الوضع قبل اختراع جهازنا، فقد كانت خدمة الإنترنت تعمل على خط التليفون الأرضي أي أنه يتم تحميلها على المكالمة التليفونية، بما كان يتيح 1200 معلومة في الثانية فقط، تنخفض إلى 300 معلومة في الثانية على المحمول، لكننا نجحنا في مضاعفة هذا الرقم إلى 100 مليون معلومة في الثانية، وهذا إنجاز كبير جداً".
ونوه بأن الفضل في اختراع الواي فاي في شكله القديم، يرجع إلى الممثلة النمساوية والأمريكية هيدي لامار عام 1943، قائلا: "بالفعل، أول من قدّم تكنولوجيا بُنيَت عليها فكرة تكنولوجيا الواي فاي هي الممثلة النمساوية والأمريكية هيدي لامار عام 1943، وقدمتها هدية للجيش الأمريكي، وللأسف رد عليها بخطاب شكرها فيه على وطنيتها، لكنه قال إن هذه التكنولوجيا فاشلة! ثم اكتشفنا في الثمانينيات أن هذه التكنولوجيا كانت مستخدمة في الاتصالات السرية للجيش الأمريكي، وأن الروس أيضاً كان لديهم اختراع مماثل، وهذان الاختراعان أصبحا معروفين، ولم يعد الأمر سرياً، وفي عام 1983 سمحت هيئة الاتصالات الأمريكية باستخدام هذه التقنية في الاتصال، ولكن في إطار موجات محددة، ومنذ ذلك الوقت بدأ التخطيط لعمل "واي فاي" اعتماداً على هذه التكنولوجيات، إلا أن أقصى سرعة ممكنة كانت 2 مليون معلومة في الثانية فقط".
وتابع: "كانت هيدي لامار في السنوات الأخيرة من حياتها فقيرة للغاية، لأنها لم تأخذ مقابلاً مادياً نظير اختراعها تقنية الواي فاي، ومن هنا فكرتُ في مساعدتها، وبالفعل تواصلت مع ابنها أنتوني عام 1997، وقال لي إنها عزيزة النفس ولن تقبل المساعدة، لكنه عرَّفني بأحد جيرانها، فتواصلت معه هو الآخر، وقلت له إنني سأرسل إليها عقداً عليها أن توقعه إن راق لها.. عرضتُ عليها أن أعطيها 25 ألف دولار بمجرد توقيع العقد وسأعطيها 9 أسهم في شركتي وكل 3 أشهر سأشتري منها سهماً مقابل 25 ألف دولار، بإجمالي مبلغ 250 ألف دولار. وفي نهاية الأمر وافقت السيدة لامار على هذا العرض".
وأشار إلى أن هذه المبالغ كانت في مقابل منحه أحقية استغلال اختراعها واسمها وصورتها للتسويق لشركتي أنا وميشيل، مضيفا: "شركة "موتورولا" كانت قد عرضت عليها 3 ملايين دولار مقابل استغلال صورتها في الترويج لمنتجاتها، لكنها رفضت".
وبسؤاله عما إذا كانت شركته قد حصلت على الأحقية الكاملة للاختراع، قال: "أخذت فقط 49% منه بشرط أنها لو قررت بيع الـ51% الأخرى تكون ملزمة بأن تعرضها عليّ أولاً بنفس السعر.. والطريف أنها أخذت أول دفعة من مبلغ التعاقد بيننا ووكلت محامياً رفع قضية ضد شركة "كورال" الكندية، التي كانت تستغل صورتها في الدعاية لمنتجها "كورال درو" من دون الرجوع إليها، وكسبت تعويضاً قدره 6 ملايين دولار في غضون شهور قليلة، ووقتها اعتبرتني هيدي لامار تميمة حظ بالنسبة إليها.. والحقيقة أن هذه السيدة بكل تأكيد تعتبر هي صاحبة الفضل في وضع البذرة الأولى لاختراع الواي فاي، وأنا الوحيد الذي كرّمها، تقديراً لها على هذا الدور الذي قامت به وخدم البشرية جمعاء".
وعن توقيت عرض اختراعه للعالم، قال: "بعد تأسيس شركتنا في يناير 1993 وبحلول أكتوبر من العام ذاته شاركنا في معرض كبير للاتصالات في مدينة دالاس في ولاية تكساس الأمريكية، وقمنا بعرض نموذج من اختراعنا، وكان يعمل بـ20 مليون معلومة في الثانية، وهذا الأمر أحدث ضجة كبيرة في عالم الاتصالات المعلوماتية، وكل الشركات العالمية الكبرى المتخصصة في مجال الاتصالات المعلوماتية تواصلت معنا، وكان اعتراضهم الوحيد هو أن حجم المنتج كبير، وطلبوا منا أن نتواصل معهم حين نتمكن من تطويره بحيث يصبح حجمه أصغر ويمكن وضعه داخل جهاز الكمبيوتر العادي أو داخل الموبايل".
وأضاف: "واصلنا العمل على هذا الأمر، وفي عام 1997 ظهرت تكنولوجيا شبه موصلات (عُشر ميكرون) ما فتح الباب لأن تكون شبكة الموصلات قادرة على تنفيذ التكنولوجيا في شريحة واحدة، بما يسمح بعمل نموذج في جهاز الكمبيوتر أو الموبايل، ووقتها تواصلنا مع الشركات مرة أخرى لعرض النموذج الصغير، وفي نهاية العام قدمت شركة "لوسِنت" Lucent Technologies الأمريكية المتخصصة في معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية، وكذلك شركة الاتصالات اليابانية (NTT) عرضاً لاستخدام التكنولوجيا الخاصة بنا للواي فاي السريع، واستمر هذا الأمر حتى منتصف عام 1998، ووقتها سألوني عمّا إذا كنتُ سأسمح باستخدام اختراعنا هذا أم لا، وفي نفس الوقت طلبوا ذلك من مخترع استرالي يُدعى جون أوساليفان، وكانت تلك المرة الأولى التي أسمع عن هذا الشخص".
وعن رد فعله حين علم بأن هناك اختراعا يشبه اختراعه وأن شركات الاتصالات المعلوماتية تتواصل معه أيضاً، قال: قرأتُ عن اختراعه سريعاً، وعلمتُ أنه تقدّم للحصول على براءة اختراع في 23 نوفمبر 1992، أي بعدنا بثمانية أشهر، ومن المعروف أنه في حال وجود اختراعات متشابهة يكون السبق اعتماداً على أسبقية التاريخ الذي جرى فيه تسجيل الاختراع، وعلى أية حال فقد ذكر أوساليفان في اختراعه أنه مُطبّق على موجات فوق 11 جيجا هرتز، والواي فاي 2.4 و5.8 جيجا هرتز، كما أنه لم يذكر حلولاً لمشكلات استخدام الموجات المتعامدة، في الوقت الذي كنا نحن قد تجاوزنا هذه المشكلات، وربما كانت الميزة لديه أنه ركز على مكملات الموجات المتعامدة لصناعة الواي فاي السريع، ونحن في اختراعنا لم نذكر ذلك من منطلق أنه معروف كمعلومة
بالنسبة للاختراع الأسترالي، قال: في نوفمبر عام 2000، عرفتُ أن مركز البحوث الأسترالي مالك الاختراع المنافس، أنشأ شركة سماها "رادياتا" لإنتاج واي فاي سريع، فاتصلت بهم وتفاوضنا لمدة أسبوعين لتوقيع عقد بموجبه يحصلون على رخصة منا، لكنهم باعوا أنفسهم لشركة "سيسكو" Cisco Systems الأمريكية، نفسها التي أكدت أن اختراعنا مفيدٌ للبشرية، فرفعت قضية ضد شركتي "رادياتا" و"سيسكو"، وقلت إن المبلغ في الصفقة المبرمة بينهما (حوالي 780 مليون دولار) يعتبر حقي وليس من حقهم أن يبيعوا شيئاً لا يملكونه
وعن رد فعل شركة "سيسكو"، قال، هنا قالت "سيسكو" إنها ليس لديها النية للبيع في كندا (حيث تم رفع القضية في كندا)، واعتبرنا ذلك انتصاراً لنا، ووقتها قال القاضي إنه لا يستطيع الحكم على أحد ليس لديه نية البيع.. لكن في يوليو 2003 باعت الشركة الأجهزة، فرفعنا قضية جديدة في عام 2004، انتهت بتصالحنا في ديسمبر 2005، ودفعوا لنا تعويضاً قدره 10 ملايين دولار نظير عدم التقاضي لمدة خمس سنوات
وفند ترويج المخترع الأسترالي أنه صاحب الفضل في اختراع الواي فاي السريع، بقوله: بدأ تحركنا قضائياً ضد الشركات التي أنتجت الواي فاي السريع في 2007، بينما المخترع الأسترالي بدأ خطواته قضائياً قبلنا بعامين (عام 2005)، وتصالح مع بعض الشركات التي أنتجت الواي فاي السريع قبل حلول عام 2010 وأخذ تعويضاً بشكل مبكر قبلنا، ومنذ ذلك الوقت تم ترويج أنه صاحب هذا الاختراع، بخلاف مساندة حكومة بلاده له باعتباره صانع هذه التكنولوجيا الأسترالية، في حين حصلنا نحن على التعويض في عام 2011، وكان المبلغ أكبر، لكن استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى أكتوبر 2013 لحين حصولنا على تعويضات من 18 شركة، دفعت كلها لنا باستثناء "أبل" Apple
وعن إجمالي قمية التعويضات التي حصلا عليها، قال: "وصلت إلى حوالي 2 مليار دولار".